تخطى إلى المحتوى

هل القراءة عُزلة؟


القراءةُ رفيقٌ غيور، تتفردُ بالتوطينِ، وتُهينُ العقلَ بالفواتِ إن لامست آخراً عنها وجوداً وتجريداً، أراك تتذكرُهُا على أطلالٍ نفيسَه: حين المطر، وشمسُ الغروبِ التي تزهو حُمرةً كلما شخَصَت على السماءِ مُزنٌ عفيفة.

لا فرق بين القراءة المتواضعة والعلم الفاخر، ولا عنى ولا همَّ علماً إلا بخلوةٍ ناضجةً تَنتِجُ مخاضاً شريفاً يؤتِي مولداً من أمٍّ شريفة، عقائقنا لاحت بمحفلٍ فضّ! ونسينا القراءة ومواريثها، وانشغلنا بالمواليدِ عما أسلفت فيه القراءة، وعمّا علت على فضائلِها كراسينا حتى تآكلت، فتذكرنا بعد صحوٍ كتاباً كاد ينقلُ للثرى مرحوما، فيه شيئاً من داءِ العروشِ ترياقاً عجيبا، ثم رفعناهُ عَليَّـا، وفتحنا غطاء الرفيق فوجدناهُ مازال مُخلِصٌ راضياً مرضياً.

خليطُ الحياةِ علقمَ، يدسُّ الخيانة بالقراءةِ دسَّا، فهي لا تكْتَنَت الشراكةَ مُطلقاً فيما لو أردتَ جمعها مع بقايا عروسٌ تظنُّها جميلة، ثم إنها لا ترضى إلا بإقصائكَ عن ولاية الحياةِ والحب، فتعطيك من خيراتها مما يجعلك تُهادن الحياةَ والحبَّ في صفوِ الحكمةِ بلا فسادٍ أو غضب.

إن رضيت بها وإلا سترضى بك، فهي لعقلك صفيحةً، ولوجدانك دليلاً، فإن لها الحق فيك كلّك، ينبغي أن تُفنِي لها زمناً ذو الطولِ لا ينقطع، يمتدُّ من عمرِ الشباب إلى الشباب، في رجاحة الصِغرِ ومرونةَ الكِبر، يحدّان علماً بالتوكيدِ من عهدٍ عظيم، سار في غير مسرى العالمين، يلتقي سَوِقَ القراءةِ كل حين، من أعلى تلةٍ يحشوها ريشاً وثير، نعيمٌ ومنامٌ للراغبين، يطيبُ فيها الحلم الرقيق، عن وعيٍ بات معسورٌ غليظ، يمتطي وصل الشُّعورِ خيلاً من حروف، شَعْرَهُ لحناً صامتاً توّاقاً للرقصِ العتيقِ، كيف لا أرضى وهذا العهدُ العظيمُ الذي لا يزول، وهذا المنامُ الذي شاء لي أن يستصوبَ الغاياتُ على مَيّسَرَةٍ تُنكِرُها اليَمين، وعجيباً أن أرى غيرَ القراءةِ في عهودِ الأفضلين.

اجعلها في قلبك لا تسود بحوائجٍ تزول، إنها تنحني ولكنها لا تقول، افهم ما تريدهُ منك، فإنها إن لاحت عنك كثيراً! كثيراً منها لا يعود، أيُبصِر التفشي وداعها ونحنُ نضمرُ النسيانَ المُهترئ وكأننا عن مكائدِ الخيانةِ مُكرَمين، ما بالُ الحقيقة حُبلى من جديد؟ كيف التفشّي يلتقط لواقحاً من فهمٍ جليل، نواصيه قراءةُ عِنوانٌ بسيط، سخيّةٌ تلك القراءةُ إن تفرد بها أحد، إنهُ يَملُّها من مال ميلاً لصورِ الحياةِ إقعاثاً وللصحوةِ من عضِل، إن القراءةَ حسناءٌ عزيزة، حواسُها الطبيعة، وقلبها إن نبضَ فإنهُ في عقولِنا، وما دمنا نفكِّرَ بها.. فإنها تَحيَا.

 

1 replies »

  1. وان كانت عزلة فهي لعراقة العقول مع انها ليست كشبابها فقد اختلفت جودتها بأختلاف جودة وعمق المكتوب ، ولتوفر الهش والسطحي من الكتب..
    لازلت احبها كما كانت ورقة وسطور وليست عبر الشاشة ، لكن عزائنا ان نستمر.. ❤

    إعجاب

أضف تعليق

Goodreads